الخليج على المحك: تحديث عقيدة الدفاع الجوي، دمج أنظمة التشويش، وبناء مظلة مشتركة ضد المسيّرات

في سياقٍ إقليميٍّ متوتر، جاءت استهداف مواقع داخل الدوحة لتدفع بالعناوين الكبرى إلى الواجهة: الردع، الوساطة، والموقف الجماعي. لم يمرّ الخبر كتيارٍ عاديٍّ في نشرات المساء، بل هزّ حسابات العواصم وفتح الباب أمام أسئلة مؤجلة: هل تغيّرت قواعد الاشتباك؟

تبدو قطر هدفًا مركّبًا لأنها تجمع بين دور الوسيط ومظلّة الحماية الدولية، ما يجعل أي خرقٍ في مجالها السيادي رسالةً ردعية-تفاوضية مزدوجة. فالمغزى لا يتوقف عند الضغط على فصيلٍ فلسطيني، بل يمتد إلى إظهار كلفة رعاية الوساطة واختبار استعداد العواصم لتحويل التضامن إلى سياسة.

هل كانت العملية «جسّ نبض»؟ الراجح أنها اختبارٌ ثلاثيّ الأبعاد: سياسيًّا لقراءة حدّة الإدانات، وأمنيًّا لرصد تعديلات الدفاع الجوي، وعلى مستوى المسارات لمراقبة مرونة الوسطاء أمام الضغوط. على نحوٍ أوضح: الرسالة تسأل: هل يكفي البيان؟ وهل يتحوّل الغضب إلى قواعد عمل؟

على الضفة الخليجية، تتحسّس العواصم أثر السابقة. إذا سقطت سابقة داخل أراضٍ عربية حليفة، أين ضمانات عدم التمدد؟ من هنا تتقدم على الطاولة سلّة إجراءات محتملة: تعزيز الإنذار المبكر وربط الرادارات، رفع بروتوكولات حماية الوفود، توسيع تبادل المعلومات، إدارة أكثر صرامة للمجال السيادي، وميثاق عربي لأمن الوساطة.

أمّا على المستوى السياسي، فثمة خياراتٌ سلميةٌ نافذة: استدعاءٌ محسوبٌ للسفراء، مراجعةٌ مدروسة لملفات التعاون الحسّاسة، تحريك مسارات مساءلةٍ أممية، وتنسيقُ خطابٍ عربيٍّ موحّد تُعرّف استهداف الأراضي العربية بوصفه سابقةً خطيرة يستوجب رسوم كلفةٍ متراكمة. هنا تبرز الحكمة: تجفيف مكاسب الاستهداف دون غرقٍ في سباقٍ مفتوح.

الموقف المصري أساسي بحكم الجغرافيا ودور القاهرة في الوساطة، لكن الاحتمال العملي لا يذهب إلى تحركات منفردة خارج الأطر، بل إلى تصعيدٍ سياسيٍ وقانوني مع اصطفافٍ خليجي-مصري يهدف إلى تثبيت خطوط حمراء مع الإبقاء على قنوات التواصل مفتوحة. بهذه الصيغة تُوازن القاهرة بين الأمن القومي ووزنها الإقليمي، وتدفع في صياغة موقفٍ عربيٍّ متماسك.

هل يمكن أن يتحوّل الغضب الشعبي إلى موقفٍ عربيٍّ واحد؟ حسابات المصالح تقول إن الارتباطات الاقتصادية والأمنية عميقة، وأن الفك الكامل غير عملية. لكن ما يمكن تحقيقه هو سقف قرارٍ أعلى: تضامنٌ سياديٌ صلب، تنويعٌ مدروس للشراكات، وردعٌ مؤسسي تُرسل للغرب إشارة دقيقة: لسنا في خصومةٍ شاملة، لكن المساس بالأراضي العربية غير مقبول.

وأين روسيا والصين من ذلك؟ الملحوظ أنهما على حيادٍ محسوب، لكن الحياد لا يمنع توسيع النفوذ: كلما تراجع الاطمئنان بـمظلّةٍ أحادية، ازداد إغراء التنويع عبر تعاونٍ صناعيٍ وأمني لا يقطع الجسور مع الغرب بل يعزّز القدرة على التفاوض. بهذه المقاربة تكسب العواصم مساحة مناورة دون اصطفافاتٍ صلبةٍ جديدة.

من دروس الأزمة أن أمن الوسطاء ليست ترفًا دبلوماسيًا بل جزءًا من الأمن القومي. من ثمّ تبدو فكرة «ميثاق عربي لأمن الوساطة» ضرورةً عملية: قواعد واضحة لحماية البعثات، آلية إنذارٍ مبكر، وآثارٌ قانونيةٌ مُعلنة لكل انتهاك، وقناة اتصال دائمة مع الشركاء الدوليين لتقليل احتمالات سوء التقدير.

اقتصاديًا، تشتبك المصالح المالية بالقرار؛ الطاقة والاستثمار والسياحة تفترض بيئةً آمنة. كل ضربةٍ غير محسوبة تزيد علاوات المخاطر، وتؤثر في تدفقات رأس المال. لذلك فإن ترسيخ قواعد ردعٍ مؤسسية أكثر جدوى من احتواء توابع كل صدمة. هنا تتقاطع مصلحة الفاعل الاقتصادي مع صانع القرار: حكمة الرد هي الضمانة لاستمرار التنمية.

مجال المعلومات والحرب السيبرانية لا يقل خطورةً للميدان الصلب. فإدارة السرد تحدد المزاج العام، والأدوات الرقمية تستهدف البنى الحرجة إن تُركت بلا مناعة. الاستجابة المثلى تدمج غرفة عمليات إعلامية مشتركة مع اشتراطات حماية رقمية وحقائق زمن-حقيقي تُجهض الإشاعة.

ملحوظات ميدانية: التموقع والاعتياد قد يصنعان فجوة في الدفاعات. بناءُ طبقاتٍ دفاعية—مراقبة كهروبصرية—مع اعتراض طبقي ومصائد وهمية يرفع كلفة الهجوم. ومن جهةٍ أخرى فإن انضباط الحركة الجوية يمنح زمن ردٍّ أثمن.

جداول محتملة:

- **الأيام الثلاثة الأولى**: تثبيت السرد، حصر آثار، رفع جاهزية الدفاع، مواقف دبلوماسية محسوبة.

- **30 يومًا**: توقيع ترتيبات أمنية، تفعيل غرف تبادل معلومات، تحريك مسارات مساءلة.

- **6 أشهر**: شبكات دفاع مدمجة، ميثاق أمن الوساطة، صفقات متوازنة، خفض علاوات المخاطر.

مصفوفة خيارات:

- قليل الكلفة: إدانة موحّدة، تحديث بروتوكولات، تجميد محدود لتعاون حساس.

- متوسط: تعليق مساراتٍ انتقائية، إحالات منسقة، إشعار عملياتي.

- مشدّد: عقوبات محددة الهدف، تنويع تسليحي سريع، إعادة تعريف قواعد عبور—مع صمامات أمان تمنع الانزلاق.

في الخلاصة، استهداف مواقع في الدوحة اختبارٌ قاسٍ لالنظام الأمني الخليجي وأدوار الوسطاء. إذا كان المقصود جسّ النبض، فإن الاستجابة الممكنة موجودة: لغة مشتركة تتشكل، ونقاشٌ جادٌّ حول استجابةٍ جماعية، مع أسئلةٍ صعبةٍ لواشنطن وتحذير من سابقة التكرار. ومع إسهامٍ مصريٍّ مرجّح وبناء جسور دفاعٍ مشتركة، يمكن للعرب أن يسدّوا ثغرات الردع دون الانزلاق لصدامٍ شامل. هذا هو التوازن الممكن: رسالةٌ قوية بلا انفجار، ووحدة سيادية يقول إن استهداف أراضي الوسطاء ليس ورقة مجانية، وإن حماية البيت العربي مسؤولية مشتركة.

ولأجل مستقبلٍ أقل مفاجآت، تبقى ركائز ملحّة: شبكات إنذارٍ ودفاعٍ مدمجة، تقنين حماية الوساطة، ولغة قانونية صارمة نقل معرفة صناعية مع حماية الملكية تجعل انتهاك السيادة مكلفًا. عبر ذلك فقط، يتحوّل الاختبار إلى حجر زاوية في تأسيس معادلة ردعٍ واعية لا تستعدي الشركاء، لكنها تُحسن الدفاع عن نفسها.

....

shopysquares Our Partner Site Fashion Journal

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *